الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.قال الماوردي: قوله عز وجل: {فَإِن تَوَلَّواْ} يعني أعرضوا، وفيه وجهان:أحدهما: عنك.والثاني: عن القرآن.{فَقُلْ ءَاذَنْتَكُمْ عَلَى سَواءٍ} فيه سبعة تأويلات:أحدها: على امر بَيِّنٍ سَوِي، وهذا قول السدي.والثاني: على مَهْل، وهذا قول قتادة.والثالث: على عدل، وهذا قول الفراء.والرابع: على بيان علانية غير سر، وهذا قول الكلبي.والخامس: على سَواءٍ في الإِعلام يظهر لبعضهم ميلًا عن بعض، وهذا قول على بن عيسى.والسادس: استواء في الإِيمان به.والسابع: معناه أن من كفر به فهم سواء في قتالهم وجهادهم، وهذا قول الحسن.قوله عز وجل: {وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَّكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ} فيه وجهان:أحدهما: لعل تأخير العذاب فتنة لكم.والثاني: لعل رفع عذاب الاستئصال فتنة لكم.وفي هذه الفتنة ثلاثة أوجه:أحدها: هلاك لكم.والثاني: محنة لكم.والثالث: إحسان لكم.{وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ} فيه ثلاثة أقاويل:أحدها: إلى يوم القيامة، وهذا قول الحسن.والثاني: إلى الموت، وهذا قول قتادة.والثالث: إلى أن يأتي قضاء الله تعالى فيهم.قوله عز وجل: {قَالَ رَبِّ احْكُم بِالْحَقِّ} فيه وجهان:أحدهما: عجّل الحكم بالحق.الثاني: معناه افصل بيننا وبين المشركين بما يظهر به الحق للجميع، وهذا معنى قول قتادة.{وَرَبُّنَا الرَّحَمنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} فيه وجهان:أحدهما: على ما تكذبون، قاله قتادة.والثاني: على ما تكتمون، قاله الكلبي.وقيل إن النبي صلى الله عليه وسلم إذا شهد قتالًا قرأ هذه الآية. والله أعلم. اهـ..قال ابن عطية: قوله تعالى: {آذنتكم على سواء} معناه عرفتكم بنذارتي وأردت أن تشاركوني في معرفة ما عندي من الخوف عليكم من الله تعالى، ثم أعلمهم بأنه لا يعرف تعيين وقت لعقابهم بل هو مترقب في القرب والبعد وهذا أهول وأخوف.{إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ (110)}.الضمير في قوله: {إنه} عائد على الله عز وجل، وفي هذه الآية تهديد أي يعلم جميع الأشياء الواقعة منكم وهو بالمرصاد في الجزاء عليها، وقرأ يحيى بن عامر {وإن أدريَ لعله وإن أدريَ أقريب} بفتح الياء فيهما وأنكر ابن مجاهد فتح هذه الياء ووجهه أبو الفتح، قوله: {لعله} الضمير فيه عائد على الإملاء لهم وصفح الله تعالى عن عذابهم وتمادي النعمة عليهم، و{فتنة} معناه امتحان وابتلاء، والمتاع، ما يستمتع به مدة الحياة الدنيا، ثم أمره تعالى أن يقول على جهة الدعاء {رب احكم بالحق} والدعاء هنا بهذا فيه توعد، أي إن الحق إنما هو في نصرتي عليكم، وأمر الله تعالى بهذا الدعاء دليل على الإجابة والعدة بها، وقرأت فقر {رب احكم} وقرأ أبو جعفر بن القعقاع {ربُّ} بالرفع على المنادى المفرد وقرأت فرقة {ربي أحْكَمُ} على وزن أفعل وذلك على الابتداء والخبر، وقرأت فرقة {ربي أحْكَمُ} على وزن أنه فعل ماض، ومعاني هذه القراءات بينة، ثم توكل في آخر الآية واستعان بالله تعالى، وقرأ جمهور القراء {قل رب} وقرأ عاصم فيما روي عنه {قال رب} وقرأ ابن عامر وحده {يصفون} بالياء، وقرأ الباقون والناس {تصفون} بالتاء من فوق على المخاطبة. اهـ..قال ابن الجوزي: قوله تعالى: {فإن تَوَلَّوا} أي: أَعْرَضُوا ولم يؤمنوا {فقل آذنتُكم على سواءٍ} في معنى الكلام قولان:أحدهما: نابذتُكم وعاديتُكم وأعلمتُكم ذلك، فصرتُ أنا وأنتم على سواءٍ قد استوينا في العلم بذلك، وهذا من الكلام المختصر، قاله ابن قتيبة.والثاني: أعلمتكم بالوحي إلى لتستووا في الإِيمان به، قاله الزجاج.قوله تعالى: {وإِن أدري} أي: وما أدري {أقريبٌ أم بعيد ما توعدون} بنزول العذاب بكم.{إِنه يعلم الجهر} وهو ما يقولونه للنبي صلى الله عليه وسلم {متى هذا الوعد} [يس: 48]، و{ما تَكْتُمون} إِسرارُهم أن العذاب لا يكون.قوله تعالى: {لَعَلَّهُ فتنةٌ لكم} في هاء {لَعَلَّه} قولان:أحدهما: أنها ترجع إِلى ما آذنهم به، قاله الزجاج.والثاني: إِلى العذاب؛ فالمعنى: لعل تأخير العذاب عنكم فتنة، قاله ابن جرير، وأبو سليمان الدمشقي.ومعنى الفتنة هاهنا: الاختبار، {ومتاعٌ إِلى حين} أي: تستمعون إِلى انقضاء آجالكم.{قُلْ رَبِّ} وروى حفص عن عاصم: {قال رَبِّ} {احكم} قرأ أبو جعفر: {ربُّ احكم} بضم الباء.وروى زيد عن يعقوب: {ربِّيَ} بفتح الياء {أَحْكَمُ} بقطع الهمزة وفتح الكاف ورفع الميم.ومعنى {احكم بالحق} أي: بعذاب كفار قومي الذي نزوله حقٌّ، فحكَم عليهم بالقتل في يوم بدر وفيما بعده من الأيام؛ والمعنى على هذا: افصل بيني وبين المشركين بما يظهر به الحق.ومعنى {على ما تصفون} أي: من كذبكم وباطلكم.وقرأ ابن عامر، والمفضل عن عاصم: {يصفون} بالياء.فإن قيل: فهل يجوز على الله أن يحكُم بغير الحق؟فالجواب: أن المعنى: احكم بحكمك الحق، كأنه استعجل النصر عليهم. اهـ..قال القرطبي: قوله تعالى: {فَإِن تَوَلَّوْاْ} أي إن أعرضوا عن الإسلام {فَقُلْ آذَنتُكُمْ على سَواء} أي أعلمتكم على بيان أنا وإياكم حرب لا صلح بيننا؛ كقوله تعالى: {وَإِمَا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فانبذ إِلَيْهِمْ على سَواء} [الأنفال: 58] أي أعلمهم أنك نقضت العهد نقضًا، أي استويت أنت وهم فليس لفريق عهد ملتزم في حق الفريق الآخر.وقال الزجاج: المعنى أعلمتكم بما يوحى إلى على استواء في العلم به، ولم أظهر لأحد شيئًا كتمته عن غيره.{وَإِنْ أدري} أن نافية بمعنى ما أي وما أدري.{أَقَرِيبٌ أَم بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ} يعني أجل يوم القيامة لا يدريه أحد لا نبي مرسل ولا مَلَك مقرّب؛ قاله ابن عباس.وقيل: آذنتكم بالحرب ولَكِني لا أدري متى يؤذن لي في محاربتكم.قوله تعالى: {إِنَّهُ يَعْلَمُ الجهر مِنَ القول وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ} أي من الشرك وهو المجازي عليه.{وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ} أي لعل الإمهال {فِتْنَةٌ لَّكُمْ} أي اختبار ليرى كيف صنيعكم وهو أعلم.{وَمَتَاعٌ إلى حِينٍ} قيل: إلى انقضاء المدّة.وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى بني أمية في منامه يلون الناس، فخرج الحَكَمُ من عنده فأخبر بني أمية بذلك؛ فقالوا له: ارجع فسله متى يكون ذلك. فأنزل الله تعالى: {وَإِنْ أدري أَقَرِيبٌ أَم بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ} [الأنبياء: 109] {وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَّكُمْ وَمَتَاعٌ إلى حِينٍ} [الأنبياء: 111] يقول لنبيه عليه السلام قل لهم ذلك.قوله تعالى: {قُلْ رَبِّ احكم بالحق} ختم السورة بأن أمر النبيّ صلى الله عليه وسلم بتفويض الأمر إليه وتوقع الفرج من عنده، أي احكم بيني وبين هؤلاء المكذّبين وانصرني عليهم.روى سعيد عن قتادة قال: كانت الأنبياء تقول: {رَبَّنَا افتح بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بالحق} [الأعراف: 89] فأمر النبيّ صلى الله عليه وسلم أن يقول: {رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ} فكان إذا لقي العدو يقول وهو يعلم أنه على الحق وعدوه على الباطل {رَبِّ احكم بالحق} أي اقض به.وقال أبو عبيدة: الصفة هاهنا أقيمت مقام الموصوف والتقدير: رب احكم بحكمك الحق.و{رب} في موضع نصب؛ لأنه نداء مضاف.وقرأ أبو جعفر بن القعقاع وابن محيصن {قُلْ رَبُّ احْكُمْ بِالْحَقِّ} بضم الباء.قال النحاس: وهذا لحن عند النحويين؛ لا يجوز عندهم رجلُ أقبلْ، حتى تقول يا رجلُ أقبلْ أو ما أشبهه.وقرأ الضحاك وطلحة ويعقوب {قَالَ رَبِّي أَحْكَمُ بِالْحَقِّ} بقطع الألف مفتوحة الكاف والميم مضمومة.أي قال محمد ربّي أحكَمُ بالحق من كل حاكم.وقرأ الجحدري {قُلْ رَبِّي أَحْكَمَ} على معنى أحكم الأمور بالحق.{وَرَبُّنَا الرحمن المستعان على مَا تَصِفُونَ} أي تصفونه من الكفر والتكذيب.وقرأ المفضل والسلمي {عَلَى مَا يَصِفُونَ} بالياء على الخبر.الباقون بالتاء على الخطاب والله أعلم. اهـ..قال أبو حيان: {فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُلْ ءاذَنتُكُمْ}.{آذنتكم} أعلمتكم وتتضمن معنى التحذير والنذارة {على سواء} لم أخص أحدًا دون أحد، وهذا الإيذان هو إعلام بما يحل بمن تولى من العقاب وغلبة الإسلام، ولَكِني لا أدري متى يكون ذلك و{إن} نافية و{أدري} معلقة والجملة الاستفهامية في موضع نصب بأدري، وتأخر المستفهم عنه لكونه فاصلة إذ لو كان التركيب {أقريب} {ما توعدون} {أم بعيد} لم تكن فاصلة وكثيرًا ما يرجح الحكم في الشيء لكونه فاصلة آخر آية.وعن ابن عامر في رواية {وإن أدري} بفتح الياء في الآيتين تشبيهًا بياء الإضافة لفظًا، وإن كانت لام الفعل ولا تفتح إلاّ بعامل، وأنكر ابن مجاهد فتح هذه الياء والمعنى أنه تعالى لم يعلمني علمه ولم يطلعني عليه، والله هو العالم الذي لا يخفى عليه شيء.{وإن أدري لعله فتنة} أي لعل تأخير هذا الموعد امتحان لكم لننظر كيف تعملون، أو يمتنع لكم إلى حين ليكون ذلك حجة وليقع الموعد في وقت هو حكمة، ولعل هنا معلقه أيضًا وجملة الترجي هي مصب الفعل، والكوفيون يجرون لعل مجرى هل، فكما يقع التعليق عن هل كذلك عن لعل، ولا أعلم أحدًا ذهب إلى أن لعل من أدوات التعليق وإن كان ذلك ظاهرًا فيها كقوله: {وما يدريك لعل الساعة قريب} {وما يدريك لعله يزكى} وقيل {إلى حين} إلى يوم القيامة.وقيل: إلى يوم بدر.وقرأ الجمهور {قل رب} أمرًا بكسر الباء.وقرأ حفص قال وأبو جعفر {رب} بالضم.قال صاحب اللوامح: على أنه منادى مفرد وحذف حرف النداء فيما جاز أن يكون وصفًا لأي بعيد بابه الشعر انتهى.وليس هذا من نداء النكرة المقبل عليها بل هذا من اللغات الجائزة في يا غلامي، وهي أن تبنيه على الضم وأنت تنوي الإضافة لما قطعته عن الإضافة وأنت تريدها بنيته، فمعنى {رب} يا ربي.وقرأ الجمهور {احكم} على الأمر من حكم.وقرأ ابن عباس وعكرمة والجحدري وابن محيصن {ربي} بإسكان الياء {أحكم} جعله أفعل التفضيل فـ: {ربي أحكم} مبتدأ وخبر. وقرأت فرقة {أحكم} فعلًا ماضيًا.وقرأ الجمهور {تصفون} بتاء الخطاب.وروي أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قرأ على أُبيّ {على ما يصفون} بياء الغيبة، ورويت عن ابن عامر وعاصم. اهـ..قال أبو السعود: {فَإِن تَوَلَّوْاْ} عن الإسلام وعن شرائعه ومباديه ولم يلتفتوا إلى ما يوجبه من الوحي {فَقُلْ} لهم {ءاذَنتُكُمْ} أي أعلمتُكم ما أُمرت به أو حربي لكم {على سَواء} كائنين على سواءٍ في الإعلام به لم أطْوِه عن أحد منكم أو مستوين به أنا وأنتم في العلم بما أعلمتُكم به أو في المعاداة أو إيذانًا على سواء، وقيل: أعلمتكم أني على سواء أي عدلٍ واستقامة رأيٍ بالبرهان النيّر {وَإِنْ أَدْرِى} أي ما أدري {أَقَرِيبٌ أَم بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ} من غلَبة المسلمين وظهورِ الدين أو الحشرُ مع كونه آتيًا لا محالة.{إِنَّهُ يَعْلَمُ الجهر مِنَ القول} أي ما تجاهرون به من الطعن في الإسلام وتكذيبِ الآياتِ التي من جملتها ما نطق بمجيء الموعود {وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ} من الإحْن والأحقاد للمسلمين فيجازيكم عليه نقيرًا وقطميرًا.{وَإِنْ أَدْرِى لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَّكُمْ} أي ما أدري لعل تأخيرَ جزائِكم استدراجٌ لكم وزيادةٌ في افتتانكم، أو امتحانٌ لكم لينظُرَ كيف تعملون {ومتاع إلى حِينٍ} أي وتمتُّعٌ لكم إلى أجل مقدر تقتضيه مشيئتَه المبنيةُ على الحِكَم البالغةِ ليكون ذلك حجةً عليكم.{قَالَ رَبّ احكم بالحق} حكايةٌ لدعائه عليه الصلاة والسلام، وقرئ {قلْ رب} على صيغة الأمر أي اقضِ بيننا وبين أهل مكةَ بالعدل المقتضي لتعجيل العذابِ والتشديد عليهم، وقد استجيب دعاؤُه عليه السلام حيث عُذّبوا ببدر أيَّ تعذيبٍ، وقرئ {ربُّ احكم} بضم الباء و{ربِّ أحكَمُ} على صيغةِ التفضيل و{ربِّ أَحكِمْ} من الإحكام {وَرَبُّنَا الرحمن} مبتدأ أي كثيرُ الرحمة على عباده وقوله تعالى: {المستعان} أي المطلوبُ منه المعونةُ خبر، أو خبرٌ آخرُ للمبتدأ، وإضافة الربِّ فيما سبق إلى ضميره عليه السلام خاصة لما أن الدعاء من الوظائف الخاصةِ به عليه السلام كما أن إضافتَه هاهنا إلى ضمير الجمعِ المنتظمِ للمؤمنين أيضًا لما أن الاستعانةَ من الوظائف العامة لهم {على مَا تَصِفُونَ} من الحال فإنهم كانوا يقولون: إن الشوكةَ تكون لهم وإن رايةَ الإسلام تخفُق ثم تركُد وإن المتوعَّد به لو كان حقًّا لنزل بهم إلى غير ذلك مما لا خيرَ فيه، فاستجاب الله عز وجل دعوةَ رسوله عليه السلام فخيب آمالَهم وغيّر أحوالَهم ونصر أولياءَه عليهم، فأصابهم يومَ بدرٍ ما أصابهم، والجملةُ اعتراضٌ تذييليٌّ مقررٌ لمضمون ما قبله، وقرئ يصفون بالياء التحتانية. اهـ.
|